للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستغفار فقد هدي لأحسن الشيم (١).

[الوجه الرابع: أليس قد عهد الله لآدم بأن يعود إلى الجنة هو وكل من اتبع هدى الله من ذريته؟]

وإذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن فإن رده ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت فتقلع عنه حين تقلع وقد عوض منها أجل عوض وأفضله وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردا عنه وإقباله عليه بعد أن كان نائيا عنه وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضًا وللوقوف على أبواب غيره متعرضًا وكانت البلية في هذا عين النعمة وإن ساءته وكرهها طبعه ونفرت منها نفسه، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} (٢).

[الفصل الثالث: كيف لا تكون توبة آدم مقبولة؟ .]

[الوجه الأول: ليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفي توبة آدم.]

إن آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإن كان أكل من الشجرة فقد تاب الله عليه واجتباه، قال تعالى: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، وقال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

وليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفي توبته وإنما قد يقول قائلهم: إنا لا نعلم أنه تاب، أو ليس عندنا توبته وعدم العلم بشيء ليس علمًا بعدمه وعدم وجود الشيء في كتاب من كتب الله لا ينفي أن يكون في كتاب آخر ففي التوراة ما ليس في الإنجيل وفيهما ما ليس في الزبور وفي الإنجيل والزبور ما ليس في التوراة وفي سائر النبوات ما لا يوجد في هذه الكتب والقرآن لو كان دون التوراة والإنجيل والزبور والنبوات أو كان مثلها لأمكن أن يكون فيه ما ليس فيها فكيف إذا كان أفضل وأشرف وفيه من العلم أعظم مما في التوراة والإنجيل وقد بين الله تعالى فضله عليهما في غير موضع كقوله تعالى: " {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ


(١) إغاثة اللهفان ٢/ ١٩٣.
(٢) طريق الهجرتين ودار السعادتين لابن القيم ١/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>