للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّ الشاعر أو الكاتب إذا كرر مضمونًا أو قصة لا يكون كلامه الثاني مثل الأول. وقد تكررت قصص الأنبياء، وأحوال المبدأ والمعاد والأحكام والصفات الإلهية، واختلفت العبارات إيجازًا وإطنابًا وتفننًا في بيانها غيبة وخطابًا، ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلًا.

وفي القرآن إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحثّ على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الأمور توجب تقليل الفصاحة. ولذلك إذا قيل لشاعر فصيح أو كاتب بليغ أن يكتب تسعًا أو عشرًا من مسائل الفقه أو العقائد في عبارة فصيحة مشتملة على التشبيهات البليغة والاستعارات الدقيقة يعجز. (١)

[الوجه العاشر: الإعجاز البلاغي.]

[أنواع البلاغة في اللغة العربية وفي القرآن.]

قال الباقلاني: ذكر بعض أهل الأدب والكلام أن البلاغة على عشرة أقسام:

الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان. (٢)

فالقرآن اشتمل على جميعِ أنواعِ البلاغةِ، ويتجاوزُها إلى ما لم يعرفْه العربُ ولا يستطيعونه. (٣)

فإنه مشتمل على جميع فنون البلاغة من ضروب التأكيد وأنواع التشبيه والتمثيل، وأصناف الاستعارة وحسن المطالع والمقاطع، وحسن الفواصل، والتقديم والتأخير والفصل والوصل اللائق بالمقام، وخلوّه عن اللفظ الرّكيك والشاذّ الخارج عن القياس النافر عن الاستعمال، وغير ذلك من أنواع البلاغات. ولا يقدر أحد من البلغاء والكملاء من العرب العرباء إلا على نوع أو نوعين من الأنواع المذكورة، ولو رام غيره في كلامه لم


(١) إظهار الحق ٢/ ٣١.
(٢) إعجاز القرآن للباقلاني ١/ ٣٥.
(٣) عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم ١/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>