للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطحاوي: فتَأَمَّلْنَا هَذَا الحْدِيثَ، فَوَجَدْنَا مَا فِيهِ مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ قَال: تَقُولُ الْعَرَبُ: يَوْمٌ ضَاحِكٌ مُصِحٌّ، وَسَحَابٌ نَاطِقٌ هَاطِلٌ، تَذْهَبُ بِنُطْقِهِ إِلَى رُجُوعِهِ وَمَطَرِهِ، لِأَنْوَاءَ يَعْرِفُونَهُ بِهَا قَال الْفَرَّاءُ: وَسَمِعْتُ أَبَا ثَرْوَانَ يَقُولُ: شَتَوْنَا بِأَرْضٍ سَهْلٍ عُبُورُهَا، كَثِيرٌ حُبُورُهَا، نَاطِقٌ سَحَابُهَا، ضَاحِكٌ جَنَّاتُهَا فَأَخْبَرَ عَنْ هَذه الْأَشْيَاءِ بِأَفْعَالِ الْآدَمَيِّينَ لِثُبُوتِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى مَا قَصَدَ لَهُ بِوَصْفِ السَّحَابِ بِالنُّطْقِ، يُرِيدُ غَزَارَةَ مَائِهِ، وَوَصْفِ الجْنَّاتِ بِالضَّحِكِ، لخِروجِ زَهْرِهِ، وَكَبِر مَرْعَاهُ، قَال: وَفِي أَمْثَالهِمْ: نَطَقَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِهِ، وَضَحِكَ الشَّيْبُ كَذَلِكَ أَيْضًا: إِذَا ظَهَرَ، وَكَذَلِكَ: مَال الجِدَارُ، وَاحْتَرَقَ الثَّوْبُ، كُلُّ هَذَا مَعْقُولٌ فِي المُعْنَى، فَخَاطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - - وَقَوْمُهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ ذُرْوَتُهَا وَسَنَامُهَا - الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ - وَهُمْ عَرَبٌ - بِمَا يَفْهَمُونَهُ عَنْهُ، وَيَعْقِلُونَهُ مِنْ مُرَادِهِ، لِأَنَّ اللهَ إِنَّمَا أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ بِلِسَانِهِمْ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، كَمَا قَال -عَزَّ وَجَلَّ- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤]، فَخَاطَبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ لَعِلْمِهِ بِفَهْمِهِمْ عَنْهُ مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ، وَاللهَ نَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ. (١)

ومن هنا يتضح أن الرعد ليس منطق الله وإنما منطق السحاب، والبرق ضحكه.

[الوجه الثالث: ماذا في كتبهم؟]

الرب يخرج سهمه كالبرق، وينفخ في البوق.

كما جاء في زكريا: وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُمْ، وَسَهْمُهُ يَخْرُجُ كَالْبَرْقِ، وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يَنْفُخُ فِي الْبُوقِ وَيَسِيرُ فِي زَوَابِعِ الجنُوبِ. (زكريا ٩: ١٤).

ونرى أن المغرب اسم الرب ومشرق الشمس مجده.

كما جاء في أشعيا: فَيَخَافُونَ مِنَ المُغْرِبِ اسْمَ الرَّبِّ، وَمنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَجْدَهُ. عِنْدَمَا يَأْتِي الْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ الرَّبِّ تَدْفَعُهُ. (أشعيا ٥٩: ١٩).

* * *


(١) شرح مشكل الآثار ١٣/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>