للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُخْرَى}، وقوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)}.

ثم هذا هو منطق العقل أن يتحمل كل إنسان نتيجة عمله، حتى يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئًا"، وهكذا يتبرأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أن يتحمل ذنب ابنته، فكيف يتحمل عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام - كل خطايا البشر؟ وهل من العدل أن يُضار البشر كلهم جميعًا بسبب خطيئةٍ ارتكبها آدم؟ وكيف رضي الله أن يخلد موسى صفيه وإبراهيم خليله وسائر الأنبياء في النار بسبب خطيئة آدم؟ وما ذنبهم؟ وما أعجب إلا من قولهم: إن آدم هو النائب عنا فتعود خطاياه علينا، فبأي وجه حق؟ وما ذنبنا؟ هل هذا عدل؟ ولماذا كان عيسى وحده مسئولًا من بين كل البشر عن خطيئة آدم؟ ولماذا يتحملها وحده؟ والغريب أن عيسى عندهم متحمل لكل خطايا البشر، والإيمان والنجاة عندهم مختصرة في طريق واحد، وهو الاعتقاد بأن عيسى قد صُلب فداءً عن خطايا البشر. هذا هو طريق البراءة من النار والعودة إلى الجَنَّة، وهو طريق ما أسهله لو كان حقًّا" (١).

[الوجه الخامس: نصوص التوراة والإنجيل تقضي بأن يتحمل كل إنسان نتيجة عمله.]

ومما يبطل نظرية وراثة الذَّنْبَ أيضًا النصوص التي تحمل كل إنسان مسئولية عمله، وقد تعاقَب الأنبياء على التذكير بهذا المعتقد في نصوص كثيرة ذكرتها التوراة والأناجيل، ومنها ما جاء في التوراة "لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته" (الأيام (٢) ٢٥/ ٤)، وأيضًا يقول المسيح: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (متى ١٦/ ٢٧) (٢).

وفي (حزقيال ١٨/ ٢٠): النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. الابْنُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ)، وهذا ما


(١) مشكلات العقيدة النصرانية (١٥٦: ١٥٨).
(٢) موقف اليهود والنصارى من المسيح - عَلِيْهِ السَّلَام - (٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>