للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٤ - شبهة: أتى بتركيب يؤدي إلى اضطراب المعنى.]

نص الشبهة: جاء في سورة الفتح: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وهذا اضطرابٌ في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خطاب غيره.

ثم الضمير المنصوب في قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} عائد على الرسول المذكور آخرًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، والضمير في قوله: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} عائد على لفظ الجلالة المذكور أولًا؛ هذا ما يقتضيه المعنى، وليس لهذا اللفظ ما يعينه تعيينًا يزيل اللبس، فإن كان الضمير في الكلمات من قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} عائد على الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يكون ذلك كفرًا؛ لأن التسبيح للَّه -عز وجل- فقط، وإن كان الضمير فيها يعود على اللَّه -عز وجل- يكون ذلك كفرًا؛ لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزره ويقويه.

والرد من وجوه:

الوجه الأول: توجيه الالتفات من خطاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خطاب غيره (١).

وفيه تفصيل:

أولًا: الالتفات من خطاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحده إلى خطاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والأمة معه.

والخطاب يجوز أن يكون للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أمة الدعوة، أي: لتؤمن أنت والذين أرسلت إليهم شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، والمقصود: الإيمان باللَّه، وأقحم: (ورسوله) لأن الخطاب شامل للأمة وهم مأمورون بالإيمان برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مأمور بأن يؤمن بأنه رسول اللَّه؛ ولذلك كان يقول في تشهده: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، وقال يوم حنين: "أشهد أني عبد اللَّه ورسوله"، وصح أنه كان يتابع قول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول اللَّه، ويجوز أن يكون الخطاب للناس خاصة ولا إشكال في عطف: (ورسوله). (٢)


(١) انظر: فوائد الالتفات في الرد على الشبهة الماضية.
(٢) التحرير والتنوير لابن عاشور ٢٦/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>