للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاصمة إلا أن يقول: "لقد مات ابن الله! ذلك شيء غير معقول، لا لشيء، إلا لأنه مما لا يقبله العقل، وقد دفن من بين الموتى، وذلك أمر محقق، لأنه مستحيل (١)، ومع ذلك يؤمن به ترتليان والنصارى من بعده.

(١٩) وأخيرًا، فإن مما يؤكد بشرية المسيح ما أخبر من أنه عليه السلام سيدخل الجنة التي وعدها الله عباده المؤمنين، ومنهم المسيح وتلاميذه، وأنه سيشرب في اليوم الآخر ويأكل معهم، حيث قال: "في بيت أبي منازل كثيرة. . . أنا أمضي لأعد لكم مكانًا. . . . حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يوحنا ١٤/ ٢ - ٣)، وقال: "إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم، حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي" (متى ٢٦/ ٢٩). وجماع هذا كله قوله عليه السلام عن نفسه: "وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله" (يوحنا ٨/ ٤٠)، أفلا نقبل شهادته عليه السلام عن نفسه؟ ! فلو كان إلهًا لما صح منه أن يعمي علينا هذه الحقيقة بمثل هذا القول الصريح الدال على إنسانيته. وحين يصر النصارى على القول بألوهيته؛ فإنهم يضربون بعرض الحافط قول المسيح وتلاميذه، ويتنكرون بذلك لكل هذه النصوص التي لم تتحدث أبدا عن إله متجسد، ولا عن ناسوت حل به الله. وبذا يكون النصارى قد وقعوا فيما حذر منه مقدسهم بولس الذي تبرأ منهم ومن صنيعهم، حيث قال: "لأَنَّهُمْ لمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. ٢٢ وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَماءُ صَارُوا جُهَلَاءَ، ٢٣ وَأَبْدَلُوا مَجْدَ الله الَّذِي لَا يَفْنَى بِشِبْهِ صُور الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ. ٢٤ لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أيضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتهِمِ. ٢٥ الَّذِينَ اسْتبْدَلُوا حَقَّ الله بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا المخْلُوقَ دُونَ الخالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ." (رومية ١/ ٢١ - ٢٥).

الوجه الخامس: الأدلة على بطلان ألوهية المسيح عليه السلام من رسائل بولس. (٢)


(١) انظر: المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل، عبد الكريم الخطيب، ص (٣٤٣).
(٢) قال سعد رستم: يرى كثير من المحققين الغربيين، الذين كتبوا عن المسيحية وعقائدها، في القرنين الأخيرين، ومثلهم كذلك عدد من الكتاب المسلمين، أن بولس -القديس الأكبر للنصرانية وصاحب الـ ١٤ -

<<  <  ج: ص:  >  >>