للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي دلالاته وحججه على صدق محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} يقول: سوف ننضجهم في نار يصلون فيها؛ أي: يشوون فيها، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} يقول: كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} يعني: غير الجلود التي قد نضجت انشوت (١).

وقال ابن كثير: يخبر تعالى عما يُعاقب به في نار جهنم مَنْ كفر بآياته وصد عن رسله فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} الآية: أي ندخلهم نارًا دخولًا يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، فقال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} (٢).

يُخْبِرُ اللَّه تعالى: بِأَنَّهُ سَيُعَاقِبُ الكَافِرِينَ بِآيَاتِ اللَّه وَبِرُسُلِهِ، بِإِحْرَاقِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ أَبْدَلَهُمْ غَيْرَها لِيَسْتَمِرُّوا فِي تَحَسُّسِ العَذَابِ وَآلامِهِ، وَاللَّه عَزِيزٌ لَا يَتَحَدَّاهُ أَحَدٌ، حَكِيمٌ فِي تَصَرُّفِهِ، يَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعُقُوبَةِ فَيُعَاقِبُهُ، وَمَنْ هُوَ أَهْل لِلْثَّوَابِ فَيُثِيبُهُ (٣).

[الوجه الثاني: أقوال العلماء في كيفية تبديل الجلود، وعلاقتها بالإحساس والألم.]

قال الطبري: فإن سأل سائل فقال: وما معنى قوله جل ثناؤه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}؟ وهل يجوز أن يبدّلوا جلودًا غير جلودهم التي كانت لهم في الدنيا، فيعذَّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندك، فأجز أن يُبدَّلوا أجسامًا وأرواحًا غير أجسامهم وأرواحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذَّب، وإن أجزت ذلك لزمك أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار غيرَ الذين أوعدهم اللَّه العقابَ على كفرهم به ومعصيتهم إياه، وأن يكون الكفار قد ارتفعَ عنهم العذاب!


(١) تفسير الطبري (النساء: ٥٦).
(٢) تفسير ابن كثير (النساء/ ٥٦).
(٣) تفسير الجلالين ٢/ ٥٦، وتفسير أسعد حومد ١/ ٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>