للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المازري: يجب على من هو أهل الاجتهاد والعدالة السعيُّ في طلب القضاء إن علم أنه إن لم يَلِهِ ضاعت الحقوق، أو وليه من لا يحل أن يولى، وكذلك إن كان وليه من لا تحل توليته ولا سبيل لعزله إلا بطلب أهله (١).

[الوجه الثالث: بيان لماذا طلب يوسف - عليه السلام - الولاية؟]

أولًا: طلب يوسف - عليه السلام - الولاية ليتوصل إلى إمضاء حكم الله.

فإنما طلب يوسف - عليه السلام - هذه الولاية ليتوصل إلى إمضاء حكم الله، وإقامة الحق وبسط العدل، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد؛ ولعلمه أن غيره لا يقوم مقامه في ذلك (٢).

قال القرطبي: طلبَ الولايةَ لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم، فرأى أن ذلك فرض متعين عليه فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم؛ لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة، ولم يكن هناك مَنْ يصلح ولا يقوم مقامه لتعين ذلك عليه، ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك؛ كما قال يوسف - عليه السلام -، فأما لو كان هناك مَنْ يقوم بها ويصلح لها وعلم بذلك فالأولى ألا يطلب؛ لقول - عليه السلام - لعبد الرحمن: "لا تسأل الإمارة. . ."، وأيضًا فإن في سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل على أنه يطلبها لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك، وهذا معنى قوله - عليه السلام -: "وكل إليها" ومن أباها لعلمه بآفاتها ولخوفه من التقصير في حقوقها فرَّ منها، ثم إن ابتُلي بها فيرجى له التخلص منها؛ وهو معنى قوله: "أُعين عليها". (٣)

ثانيًا: أن التصرف في أمور الخلق كان واجبًا عليه فتعينت عليه الولاية.

فالأصل أن التصرف في أمور الخلق كان واجبًا عليه، فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان، إنما قلنا: إن ذلك التصرف كان واجبًا عليه لوجوه:


(١) التحرير والتنوير ١٣/ ٩.
(٢) البحر المحيط (٧/ ٣٤)، الكشاف (٣/ ١٨٤).
(٣) تفسير القرطبي ٩/ ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>