للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: حكم أهل العلم على من تكلم في الصحابة، وفي أبي هريرة خاصة.]

ذلكم أبو هريرة - رضي الله عنه - الذي عرفناه قبل إسلامه وبعد إسلامه، عرفناه في هجرته وصحبته للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فكان الصاحب الأمين والطالب المجد، يدور مع الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في حلّه وترحاله، ويشاركه أفراحه وأحزانه، وعرفنا التزامه للسنة الطهرة، وتقواه وورعه، في شبابه وهرمه، وعرفنا مكانته العلمية، وكثرة حديثه، وقوة حافظته، ورأينا منزلته بين أصحابه، وثناء العلماء عليه.

ذلكم أبو هريرة - رضي الله عنه - الذي صوّره لنا التاريخ من خلال البحث الدقيق، إلا أن بعض الحاقدين لم يسرهم أن يروا أبا هريرة - رضي الله عنهم - في هذه المكانة السامية، فدفعتهم أهواؤهم إلى أن يصوّروه صورة تخالف الحقيقة التي عرفناها، فرأوا في صحبته للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، غايات خاصة لأبي هريرة، ليشبع بطنه ويروي نهمه، وصوروا أمانته خيانة، وحفظه تدجيلًا، وحديثه الطيب الكثير كذبًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبهتانًا، ورأوا في فقره مطعنًا وعارًا، وفي تواضعه ذلًا، وفي مرحه هذرًا، وصوروا أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر لونًا من المؤامرات لخداع العامة، ورأوا في اعتزاله الفتن تحزبًا، وفي قوله الحق انحيازًا، فهو صنيعة الأمويين الذين طووه تحت جناحهم؛ فكان أداتهم الداعية لمآربهم السياسية، فكان لذلك من الكاذبين الواضعين للأحاديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتراءً وزورا! ! . (١)

قال الإمام الطحاوي: ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. (٢)

قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة،


(١) أبو هريرة راوية الإسلام (٢٠٢: ٢٠١).
(٢) العقيدة الطحاوية ١/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>