للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب، وهم يحرفون لفظه لمن لم يعرفه، ويكذبون في لفظهم وخطهم. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذْو القذَّة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ " (١).

وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لتأخذن أمتي مآخذ الأمم قبلها، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع" قالوا: يا رسول الله، فارس والروم؟ قال: "ومن الناس إلا أولئك" (٢).

فهذا دليل على أن ما ذم الله به أهل الكتاب في هذه الآية، يكون في هذه الأمة من يشبههم فيه، وهذا حق قد شوهد، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)} [فصلت: ٥٣]، فمن تدبر ما أخبر الله به ورسوله، رأي أنه قد وقع من ذلك أمور كثيرة، بل أكثر الأمور، ودله ذلك على وقوع الباقي (٣).

[الشبهة الرابعة]

الرد على من قال أن قوله تعالى {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (٤٩)} [العنكبوت: ٤٨ - ٤٩]، لا يفيد كون الرسول كان أمِّيًا.

ففسروا قوله: (مِنْ كِتَابٍ) على أن المقصود بالكتاب في الآية هو كتاب من الكتب السماوية المنزلة من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو لم يكن يكتب كتابًا من هذه ولم يخطه بيمينه، وهذا لا يعني أنه لا يحسن الكتابة أبدًا.

الرد على ذلك من وجوه:

[الوجه الأول: التأكيد المذكور الآية]

قوله: {مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} تأكيد النفي في قوله {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} (٤).


(١) البخاري (٦٨٨٩)، ومسلم (٦).
(٢) البخاري (٦٨٨٨)، ومسلم (٢٦٦٩).
(٣) مجموع الفتاوى ٥/ ٤٢٩.
(٤) تفسير القرآن العظيم ٦/ ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>