للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: ٢٤ - ٢٧]. (١)

[الوجه الثاني عشر: الغيبيات التي ذكرت في القرآن.]

إخباره في هذا الكتاب بأمور تحصل بعد موته وعلوم لم تكن في عصره، وقد قيل: يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، ويمكن أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت.

فلنفرض أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استطاع أن يخدع كل من كان في زمنه، ألا يخشى أن ينكشف بعد ذلك إذا ازداد الناس علما، فهو يخبر بأمور فلكية وأخرى طبية وأمور جغرافية، ويخبر بأحداث سوف تقع بعد موته، ويتكلم بعلوم لم يعرفها أهل زمانه، كل هذا وهو مطمئن القلب لصدق نفسه، ثم لا يأتي الواقع إلا مطابقا لما قال، ولا يأتي العلم - على تقدمه الكبير - إلا بتأكيد كلامه وتأييد آرائه، أليس في هذا دليل أنه لا يتحدث من قبل نفسه، بل من قبل من يعلم السر والنجوى الذي لا تخفى عليه خافية.

أليس يكفي للحكم ببراءة الإنسان من عمل من الأعمال، أن يقوم من الطبيعة شاهدٌ بعجزه المادي عن إنتاج ذلك العمل؟ .

فلينظر العاقل: هل كان هذا النبي الأمي (أهلًا بمقتضى وسائله العلمية، لأن تجيش نفسه بتلك المعاني القرآنية؟ .

سيقول الجهلاء من الملحدين: نعم. فقد كان له من ذكائه الفطري وبصيرته النافذة ما يؤهله لإدراك الحق والباطل من الآراء، والحسن القبيح من الأخلاق، والخير والشر من الأفعال، حتى لو أن شيئًا في السماء تناله الفراسة، أو تلهمه الفطرة، أو توحي به الفكرة، لتناوله محمد بفطرته السليمة وعقله الكامل وتأملاته الصادقة.

ونحن قد نؤمن بأكثر مما وصفوا من شمائله، ولكننا نسأل: هل كل ما في القرآن مما


(١) النبأ العظيم (٦٠: ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>