للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزرقاني: إننا إن سلمنا أن ابن مسعود أنكر المعوذتين وأنكر الفاتحة؛ بل أنكر القرآن كله فإن إنكاره هذا لا يضرنا في شيء؛ لأن هذا الإنكار لا ينقض تواتر القرآن، ولا يرفع العلم القاطع بثبوته القائم على التواتر. ولم يقل أحد في الدنيا إن من شرط التواتر والعلم اليقيني المبني عليه ألا يخالف فيه مخالف وإلا لأمكن من هدم كل تواتر، وإبطال كل علم قام عليه بمجرد أن يخالف فيه مخالف ولو لم يكن في العير ولا في النفير. (١)

قال البزار: وَهَذَا الْكَلامُ لَمْ يُتَابِعْ عَبْدَ الله عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَرَأَ بِهِمَا فِي الصَّلاةِ وَأُثْبِتَتَا فِي الْمُصْحَفِ (٢).

ولا شكَّ أن إجماع الصحابة على قرآنيتهما كافٍ في الردِّ على هذا الطعن، ولا يضرُّ ذلك الإجماع مخالفة ابن مسعود، فإنه لا يُعقل تصويب رأي ابن مسعودٍ وتخطئة الصحابة كلهم؛ بل الأمة كلها (٣).

[الخامس: يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تتواترا عنده فتوقف في أمرهما.]

قال ابن حجر: قال ابن الصباغ: إنه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك. وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال: إن قلنا: إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا: إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر، قال: وهذه عقدة صعبة. وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى (٤).


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٩٢، وانظر روح المعاني ٣٠/ ٢٧٩، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ٣/ ٣٣.
(٢) مسند البزار ١/ ٢٦٨.
(٣) كتاب جمع القرآن ١/ ١٧٦.
(٤) فتح الباري ٨/ ٦١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>