للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأودي قال: رأيت في الجاهلية قردًا زنا بقردة فاجتمع القرود عليهما فرجموها حتى ماتا (١)، ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلًا فأنه سبيل هلكة وبوار وافتقار في الدنيا وسبيل عذاب في الآخرة وخزي ونكال (٢).

[٣ - الزنا سبيل لقطيعة الأرحام وكسب الحرام]

ومنها أن الزنا يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند بعدها وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه وأعيى الأطباء دواؤه فأسيرها لا يفدى وقتيلها لا يودى وقد وكلها اللَّه سبحانه بزوال النعم فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم اللَّه فإنها ضيف سريع الانتقال وشيك الزوال قال اللَّه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (٣).

[٤ - مفسدة الزنا بعد مفسدة القتل، لذلك كان التشديد في الحد]

فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته ولهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها ولو بلغ العبد أن امرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت، وقال سعيد بن عبادة -رضي اللَّه عنه-: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول اللَّه فقال تعجبون من غيرة سعد واللَّه لأنا أغير منه واللَّه أغير


(١) أخرجه البخاري (٣٨٤٩).
(٢) الداء والدواء (١٩٣: ١٩٢).
(٣) روضة المحبين (٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>