للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بعد حصول اليقين؛ لأن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطأ والغلط، وما كان كذلك، فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف (١).

[الشفاعة في الحدود]

عَنْ عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُوميَّةُ الَّتِى سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَكَلَّمَ رَسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّه. ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّه لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا" (٢).

وقد بوب الإِمام البخاري على هذا الحديث باب: كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان. (٣)

وقال أبو عمر: لا أعلم بين أهل العلم اختلافًا في الحدود إذا بلغت إلى السلطان لم يكن فيها عفو لا له ولا لغيره، وجائز للناس أن يتعافوا الحدود ما بينهم ما لم يبلغ السلطان وذلك محمود عندهم. (٤)، فلا يجوز الشفاعة في الحدود بعد وصولها للحاكم، والثبوت عنده؛ لأنه طلب ترك الواجب؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر على أسامة بن زيد في شفاعته للمخزومية كما سبق في الحديث، وأما قبل الوصول إليه فعند جمهور الفقهاء تجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه؛ لأن وجوب الحد قبل ذلك لم يثبت، فالوجوب لا يثبت بمجرد الفعل. (٥)

إقامة الحدود والانتقام لحرمات اللَّه.

كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشد تعظيمًا لحقوق اللَّه عز وجل على حرماته وقد بوب الإِمام البخاري في ذلك باب: إقامة الحدود والانتقام لحرمات اللَّه، ثم أورد هذا الحديث عن


(١) نيل الأوطار (٧/ ٢٤٩) بتصرف يسير.
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٨٨).
(٣) المصدر السابق.
(٤) التمهيد (١١/ ٢٢٤)، والاستذكار (٢٤/ ١٧٦، ١٧٧).
(٥) الموسوعة الفقهية (١٧/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>