للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذاهب، ويجتهد في التأمل فيه كل صاحب مذهب، فإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات، فبهذا الطريق يتخلص المبطل عن باطله، ويصل إلى الحق. (١)

تاسعًا: تيسير حفظ القرآن والمحافظة عليه؛ لأن كل ما احتواه من تلك الوجوه المستلزمة للخفاء، دال على معانٍ كثيرة زائدة على ما يستفاد من أصل الكلام، ولو عُبِّر عن هذه المعاني الثانوية الكثيرة بألفاظ؛ لخرج القرآن في مجلدات واسعة ضخمة يتعذر معها حفظه والمحافظة عليه {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)} [الكهف: ١٠٩]، وكذلك يدرك القارئ لدقة القرآن، وعلو أسلوبه روعة ولذة تغريه على قراءته، وتشجعه على استظهاره وحفظه. (٢)

[الوجه الثاني: فوائد وجود المتشابه إن كان مما لا يمكن علمه.]

١ - إنزاله ابتلاء وامتحانًا لعباده، فأما المؤمن فلا يداخله فيه شك ولا يعتريه ريب، وهو بين أمرين:

إما قادر على رده إلى المحكم، وإما قائل: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، عندما لم يتبيّن معناه، فأمره كله خير وتعظم بذلك مثوبته، وتزيد عند الله تعالى درجته.

وأما المنافق فيرتاب ولا يزيده القرآن إلا خسارًا، وأما من كان في قلبه زيغ - كأهل البدع - فيتبعون المتشابه؛ ليفتنوا الناس عن القرآن، وصحيح السنة، ويُنزلوه على مقتضى بدعتهم. وسياق الآية وما بعدها دالٌ على أن هذا من حكمة إنزال المتشابه، إذ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٧, ٨]، وقد ذكر الله في القرآن أنه


(١) المصدر السابق.
(٢) مناهل العرفان (٢/ ٢٤٤ - ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>