للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم. يقول تعالى ذكره: واحذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه وتجنبوا عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه والعمل بما يقرب إليه ما أطقتم وبلغه وسعكم. (١)

ويُفهم من الآية أن التكليف في حدود الاستطاعة، ويبينه قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة: ٢٨٦)، وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (البقرة: ٢٨٦). (٢)

وفي هذا القيد {مَا اسْتَطَعْتُمْ} يتجلى لطف الله بعباده وعلمه بمدى طاقتهم في تقواه وطاعته. (٣)

هذا أيضًا من إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين، إنه لما علمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله ورسوله علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون في المال والولد، والبعض الآخر سوف يعاني مشقة شديدة في التوفيق بين خدمة المصلحتين، فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط، وخير الأمور الوسط فلا يفرط في ولده وماله، ولا يفرط في غاية خلقه وهي عبادة الله تعالى التي خلق لأجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة. (٤)

فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". (٥)

الوجه الثاني: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ناسخة لقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.


(١) تفسير الطبري (٢٨/ ١٢٧).
(٢) أضواء البيان (٨/ ٣٤٥).
(٣) في ظلال القرآن (٦/ ٣٥٩).
(٤) أيسر التفاسير (٥/ ٣٧٠).
(٥) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (٨٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>