للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم طائفة واحدة، ولكن معانيه تطابق الحقائق، وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم وكانت الآية لها اعتلاق بذلك فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه، وذلك يختلف باختلاف المقامات ويبنى على توفر الفهم، وشرطه أن لا يخرج عما يصلح له اللفظ عربية ولا يبعد عن الظاهر إلا بدليل ولا يكون تكلفًا بينًا ولا خروجًا عن المعنى الأصلي حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية (١).

[علاقة العلوم بالقرآن]

قال الشاطبى: واعلم أن العرب كان لها اعتناء بعلوم ذكرها الناس، وكان لعقلائهم اعتناء بمكارم الأخلاق واتصاف بمحاسن الشيم، فصححت الشريعة منها ما هو صحيح وزادت عليه، وأبطلت ما هو باطل وبينت منافع ما ينفع من ذلك ومضار ما يضر منه، فمن علومها: علم النجوم وما يختص بها من الاهتداء في البر والبحر واختلاف الأزمان باختلاف سيرها، ومنها علوم الأنواء وأوقات نزول الأمطار وإنشاء السحاب وهبوب الرياح المثيرة لها، فبين الشرع حقها من باطلها، ومنها علم التاريخ وأخبار الأمم الماضية، ومنها ما كان أكثره باطلًا أو جميعه كعلم العيافة، والزجر، والكهانة، وخط الرمل، والضرب بالحمى، والطِيَرَةُ؛ فأبطلت الشريعة من ذلك الباطل ونهت عنه، ومنها علم الطب فقد كان في العرب منه شيء، ومنها التَّفَنُّنُ في علوم البلاغة، والخوض في وجوه الفصاحة، والتصرف في أساليب الكلام؛ وهو أعظم منتحلاتهم فجاءهم بما أعجزهم من القرآن الكريم (٢).

ثم قال: إن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات، والتعاليم، والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها؛ وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، نعم تضمن علومًا هي من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودها مما يتعجب منه أولو


(١) التحرير والتنوير ١/ ٤٣: ٤٢.
(٢) الموافقات ٢/ ٤٩: ٤٧ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>