للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: فمن كان إمامًا في الضلالة ودعا إليها، وأُتبع عليها، فإنه محمل وزر من أضله من غير أن ينقص من وزر المضل شيء. (١)

ثم قال: يحملون وزر من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شيء، وفي الخبر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا" (٢).

ومن للجنس لا للتبعيض، فدعاة الضلالة عليهم مثل أوزار من اتبعهم وقوله: {بغير علم} أي يضلوا من الخلق جهلًا منهم بما يلزمهم من الآثام؛ إذ لو علموا لما أضلوا (٣).

[الوجه السابع: الفتنة سببها الإنسان فيضر المفسد الصالح، وهي في ذلك ابتلاء للطائع والعاصي.]

والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها مقتل عمر - رضي الله عنه -، ومقتل عثمان - رضي الله عنه - في الفتنة، ومقتل علي - رضي الله عنه - بسبب الفتن، ومقتل كثير من الأخيار بسبب الفتنة وإليك تفصيل ذلك:

أ - قُتل عمر - رضي الله عنه -، وكان معروفًا بالعدل أمير المؤمنين الخليفة الراشد وله من الفضائل الكثيرة (٤)، ومع ذلك نزلت الفتنة؛ فكانت سببًا في مقتله على يد أبي لؤلؤة المجوسي، فكانت هذه الفتنة شهادة لعمر - رضي الله عنه -، ووبالًا على هذا الكافر الذي مات على كفره، وإليك قصة مقتله التي فيها دروس كثيرة تبين فضل وورع وعدل عمر - رضي الله عنه -:

عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ - رضي الله عنه - قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِي لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ


(١) تفسير القرطبي (٧/ ١٥٤).
(٢) مسلم (٢٦٧٤).
(٣) القرطبي (٧/ ١٥٤).
(٤) انظر فضائل ومناقب عمر - رضي الله عنه - في البخاري مع الفتح المجلد السابع، وصحيح مسلم - باب فضائل عمر - وترجمة عمر بن الخطاب في سير أعلام النبلاء الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>