وقد حاول بولس في رسالته إلى العبرانيين أن يجيب عن هذا السؤال ويحل هذه المشكلة فقال:(بالإيمان قرب إبراهيم إسحاق لما امتحن فكان يقرب ابنه الوحيد، وقد تلقى المواعد وكان قد قيل له: بإسحاق سيكون لك نسل يحمل اسمك فقد اعتقد أن الله قادر حتى على أن يقيم من بين الأموات لذلك استرده)(رسالة العبرانيين ١١/ ١٩: ١٧).
وحل هذه المشكلة التي قدمتها بولس في رسالته إلى العبرانيين وردده كثير من شراح العهد القديم النصارى جديد في المسيحية لم ينظر إليه أحبار اليهود الذين اعتبروا أن التضحية قائمة على تسليم إبراهيم بموت إسحاق وأنه أطاع الله ولم يطع قلبه بحنانه على ابنه الموعود، بالإضافة إلى أن هذا الحل الذي ارتضاه فقهاء المسيحية يقلل كثيرًا من قيمة تضحية إبراهيم وإذعانه لربه مادام أنه كان على يقين من أن الله سبحانه سوف يعيد الحياة إلى ولده بعد أن يقوم بذبحه بنفسه.
[الوجه الثامن: الحكمة من عدم ذكر اسم الذبيح في القرآن.]
ليس لقائل أن يقول: إن كان إسماعيل -عليه السلام- هو الذبيح فلم لم يصرح القرآن به؟ فإن هذا السؤال عائد عليه في أمر إسحاق -عليه السلام- على سواء مع أنه لم يكن مانع لذكره.
وأما إسماعيل -عليه السلام- فلعدم التصريح باسمه وجوه من الحكمة:
الأول: أنه من عادة القرآن الصفح والإعراض عن اللجاج الذي لا ينفصم، لكيلا يشتغل الخصم به، ويترك ما يلقى إليه من الحجة الدامغة. وقد أدخلت اليهود اسم إسحاق -عليه السلام- في قصة الذبح، فلو صرح القرآن بخلاف ذلك لتمسكوا بما في كتبهم وجادلوا بباطلهم، وأنكروا بما جاء به النبي لخلاف الصريح بما عندهم؛ فالقرآن يلزمهم ما كان موجودًا في صحفهم، أو كان ظاهرًا بينًا عند العقل، لكيلا يترك لهم متمسكًا وعذرًا، وقد أشار إلى ذلك في غير ما آية تارة يخاطب النبي ويأمره بالصفح عنهم، وتارة يخاطب المسلمين بترك جدالهم إلا بحسن القول، وتارة يخاطب أهل الكتاب ويدعوهم إلى مسلماتهم.