للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله" هَلْ آتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكْرَمِينَ" أي: الذين أرصد لهم الكرامة. وقد ذهب الإمام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب الضيافة للنزيل وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل، وقوله: "فراغ إلى أهله"أي: انسل خفية في سرعة، "فجاء بعجل حنيذ" أي: من خيار ماله وفي الآية الأخرى" {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩)} [هود: ٦٩، ٧٠] أي: مشوي (١) "فقربه إليهم" أي: أدناه منهم، "قال ألا تأكلون : تلطف في العبارة وعرض حسن.

وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة، فإنه جاء بطعامه من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولا فقال "نأتيكم بطعام؟ بل جاء به بسرعة وخفاء وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتى ثمين مشوي، فقربه إليهم، لم يضعه وقال: اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال "ألا تأكلون"؟ علي سبيل العرض والتلطف كما يقول القائل اليوم: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل. (٢)

حق الضيف في السنة: عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه". (٣)

قال ابن بطال: سئل عنه مالك فقال: يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة، قلت: واختلفوا هل الثلاث غير الأول أو بعد منها؟ فقال أبو عبيد: يتكلف له في اليوم الأول بالبر والألطاف، وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة، وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل. (٤) عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إن لزورك عليك حقا". (٥) وعن


(١) الرصف: حجارة مرصوف بعضها إلى بعض (لسان العرب لابن منظور ٩/ ١٢٠).
(٢) تفسير ابن كثير (١٣/ ٢١٧).
(٣) البخاري (٦١٣٦)، ومسلم (١٣٥٢).
(٤) فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٥٤٩).
(٥) البخاري (١٩٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>