للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها؟ وماذا يقولون فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات، من شعر الجاهلية دون الإسلام؟ . (١)

[الوجه العاشر: قصر صحبته قصر نسبي.]

إن قصر صحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصر نسبي: أي بالنسبة لمن طالت صحبتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، كالعشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم من السابقين الأولين من الصحابة - رضي الله عنهم -، وإلا فإنها في الواقع ليست قصيرة كما يتوهم، إذ زادت على أربع سنين وهي مدة كافية لجمعه ما جمع، وروايته ما روى من أحاديث، علمًا أنه قد لازم فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ملازمة تامة، حضرًا وسفرًا، يدور معه حيث دار، تفرغ فيها للعلم والتحصيل، لا يشغله عنهما شاغل من تجارة، أو زراعة، أو أعباء عائلية أو غير ذلك، وهي ملازمة لم تتيسر لكثير ممن كانت صحبتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطول من صحبته له، لانشغالهم بأمور الحياة الضرورية؟ ، وجاء جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -، فقال: يا أبا محمد، والله ما ندري هذا اليماني أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أنتم؟ تقوّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل، يعني أبا هريرة، فقال طلحة: والله ما يشك أنه سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قومًا أغنياء، لنا بيوت وأهلون، كنا نأتي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار، ثم نرجع، وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - مسكينًا لا مال له، ولا أهل، ولا ولد، إنما كانت يده مع يد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يدور معه حيث دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم، وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا، أنه تقوّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل. (٢)

كما كانوا مشغولين أيضًا بأمور الدعوة، والقيام بالمهمات التي كان يكلفهم بها


(١) شبهات الرافضة حول الصحابة - رضي الله عنهم - وردها ١/ ٤١٨.
(٢) حسن. أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ٦/ ١٣٣، وأبو يعلى في مسنده (٦٣٦)، والبزار في مسنده (٩٣٢)، والحاكم في المستدرك ٣/ ٥١١ من طريق جرير. وأخرجه الترمذي في السنن (٤٢٠٨)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٦٧/ ٣٥٧، وأبو يعلى في مسنده (٦٣٧) من طريق محمد بن سلمة. وأخرجه في العلل ومعرفة الرجال من زوائد عبد الله (٤٣٣) من طريق يونس بن بكير. كلهم (جرير، محمد، يونس) عن محمد بن إسحاق عن (حدثنا) محمد بن إبراهيم التيمي عن مالك بن أبي عامر به. وحسن إسناده ابن حجر كما في فتح الباري ٧/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>