للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: هذا الثناء لا ينافي وجوب اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن تيمية: وأما ثناء الله ورسوله على المسيح وأمه وعلى من اتبعه وكان على دينه الذي لم يبدل فهذا حق، وهو لا ينافي وجوب اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - على من بعث إليه، فلو قدر أن شريعة المسيح لم تبدل، وأن محمدًا أثنى على كل من اتبعها وقال مع ذلك: إن الله أرسلني إليكم؛ لم يكن ذلك متناقضا وإذا كفر من لم يؤمن به لم يناقض ذلك ثناؤه عليهم قبل أن يكذبوه، فكيف وهو إنما مدح من اتبع دينا لم يبدل؟ وأما الذين بدلوا دين المسيح فلم يمدحهم؛ بل ذمهم كما قال: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)} [المائدة: ١٤].

وقد قدمنا أن النصارى كفروا كما كفرت اليهود، كفروا بتبديلهم ما في الكتاب الأول، وكفروا بتكذيبهم بالكتاب الثاني، وأما من لم يبدل الكتاب أو أدرك محمدًا فآمن به فهؤلاء مؤمنون، ومما يبين ذلك أن تعظيم المسيح للتوراة واتباعه لها وعمله بشرائعها أعظم من تعظيم محمد للإنجيل، ومع هذا فلم يكن ذلك مسقطًا عن اليهود وجوب اتباعهم للمسيح، فكيف يكون تعظيم محمد للإنجيل مسقطًا عن النصارى وجوب اتباعه؟ (١)

الوجه السادس: القرآن بيَّن أنهم خالفوا أحكام التوراة.

لقد جاء القرآن واضحًا في موقفه تجاه هذه الأسفار وحفظتها من الأحبار والعلماء، سنذكر عددًا من الأساسيات منها:


= وقال الحافظ في "الفتح" (١٣: ٢٨٤): "رواه أحمد، وابن أبى شيبة، والبزار، ورجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا". قلت - أي الألباني - لكن الحديث قوي فإن له شواهد كثيرة. وذكر- الشيخ - بعضها.
ثم قال: وجملة القول: أن مجيء الحديث في هذه الطرق المتباينة، والألفاظ المتقاربة لما يدل على أن مجالد بن سعيد قد حفظ الحديث فهو على أقل تقدير حديث حسن. والله أعلم إرواء الغليل ٦/ ٣٤: ٣٨.
(١) الجواب الصحيح ٢/ ١٤٢: ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>