للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن حجر: قال المهلب وغيره: في هذا الحديث تعذيب العامة بذنب الخاصة، وفيه نظر؛ لأن التعذيب المذكور إذا وقع في الدنيا على من لا يستحقه فإنه يكفر من ذنوب من وقع به أو يرفع من درجته. (١)

[الوجه الرابع: أن ذلك على سبيل التحذير حتى لا يكون جزاء من خالف العقوبة.]

قال الشيخ محمد رشيد رضا: أمرهم باتقاء نوع من أنواع الفتنة الاجتماعية التي تكون تبعة عقوبتها مشتركة بين المصطلي بناره فعلًا، وبين المؤاخذ به لتقصيره في درئه وإقراره على فعله فقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} أي: واتقوا وقوع الفتن القومية والملية العامة التي من شأنها أن تقع بين الأمم في التنازع على مصالحها العامة من الملك والسيادة أو التفرق في الدين والشريعة والانقسام إلى الأحزاب الدينية: كالمذاهب، والسياسة: كالحكم، فإن العقاب على ذنوب الأمم أثر لازم لها في الدنيا قبل الآخرة. (٢)

[الوجه الخامس: أن الله إذا أنزل العقوبة على من أذنب ومن لم يذنب بعث كل واحد على نيته.]

ففي حديث عائشة: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلهِمْ وَآخِرِهِمْ". قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيْهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ.؟ قَالَ: "يُخْسَفُ بِأَوَّلهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". (٣)

قال ابن حجر: أي: يخسف بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده، قال المهلب في هذا الحديث: إن من كثر سواد قوم في المعصية مختارًا أن العقوبة تلزمه معهم (٤).

الوجه السادس: قد تنزل العقوبة على العوام؛ لأنهم سبب في نشر المعاصي والفتن. (٥)


(١) فتح الباري (٥/ ٣٤٩).
(٢) تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (٩/ ٦٣٧).
(٣) أخرجه البخاري (٢١١٨)، ومسلم (٢٨٨٤).
(٤) فتح الباري (٤/ ٣٩٩).
(٥) تفسير السعدي (الآية).

<<  <  ج: ص:  >  >>