للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنَزِّل ما يمتحن الله به عباده؛ ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، ويضل غيرهم من أهل الضلال. كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: ٢٦]. (١)

٢ - لرحمة الله بالإنسان الضعيف الذي لا يطيق معرفة كل شيء، وإذا كان الجبل حين تجلى له ربه جعله دكًا، وخرَّ موسى صعقًا، فكيف لو تجلى سبحانه بذاته، وحقائق صفاته للإنسان؟ ومن هذا القبيل أخفى الله عن الناس معرفة الساعة رحمة بهم؛ كيلا يتكاسلوا ويقعدوا عن الاستعداد لها، وكيلا يفتك بهم الخوف والهلع لو أدركوا بالتحديد شدة قربها منهم، ولمثل هذا حجب الله عن العباد معرفة آجالهم؛ ليعيشوا في بحبوحة من أعمارهم، فسبحانه من إله حكيم، رحمن رحيم.

٣ - إقامة الدليل على عجز الإنسان وجهالته، مهما عظم استعداده وغزر علمه، وإقامة شاهد على قدرة الله الخالق، وأنه وحده هو الذي أحاط بكل شيء علما، وأن الخلق جميعًا لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وهنالك يخضع العبد ويخشع. (٢)

[الوجه الثالث: الأسباب الموهمة للاختلاف في القرآن الكريم.]

قبل الدخول في ذكر الأسباب التي أدت إلى ادعاء التناقض في القرآن الكريم؛ ينبغي أن نعلم أن هناك سببًا رئيسيًا مشتركًا في كل الأسباب التي سأوردها، وهذا السبب يتعلق بالقارىء لكتاب الله تعالى، ألا وهو مقدار العلم والمعرفة، فبالعلم يتفاوت الناس في هذا الباب، ما بين مقل ومستكثر، وإلا فإنَّ التدبر التام للقرآن الكريم كفيلٌ بدفع الإشكال عن النفس، كيف لا يكون كذلك وقد وصف الله كتابه بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ


(١) دعاوي الطاعنين (٧٧ - ٧٨)، وانظر أيضًا البرهان (٢/ ٧٥)، والإتقان (٣/ ٣١)، ومشكل القرآن (١٠٨)، ومناهل العرفان (٢/ ٢٢٣)، ومذكرة في أصول الفقه للشنقيطي (٧٨).
(٢) مناهل العرفان (٢/ ٢٢٣ - ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>