للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: ٣٣).

وجه الدلالة: أن الله تعالى افترض علينا العمل بخبر الواحد الثقة عن مثله مبلغًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن نقول أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا، وقال - صلى الله عليه وسلم - كذا، وفعل - صلى الله عليه وسلم - كذا، وحرم القول في دينه بالظن، وحرم تعالى أن نقول عليه إلا بعلم.

فلو كان الخبر المذكور يجوز فيه الكذب أو الوهم؛ لكنا قد أمرنا الله تعالى بأن نقول عليه ما لا نعلم، ولكان تعالى قد أوجب علينا الحكم في الدين بالظن الذي لا نتيقنه، والذي هو الباطل الذي لا يغني من الحق شيئًا، والذي هو غير الهدى الذي جاءنا من عند الله تعالى، وهذا هو الكذب والإفك والباطل الذي لا يحل القول به، والذي حرم الله تعالى علينا أن نقول به، وبالتخرص المحرم فصح يقينا أن الخبر المذكور حق مقطوع على غيبه، موجب للعلم والعمل معًا، وبالله تعالى التوفيق. (١)

ثانيًا: بالإضافة إلى ما سبق من الأدلة في مسألة الاحتجاج بخبر الواحد، أضيف هنا أدلة أخرى:

- بعثه - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن قائلًا له: "إنك تأتي قومًا أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم ... ". (٢)

ووجه الدلالة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجَّه رجلًا واحدًا يبلغ شرائع الإسلام، وقد قامت الحجة على أهل الكتاب بهذا الرجل، فلو كان مثل هذا البلاغ لا يفيد علمًا؛ لم تكن الحجة على أي إنسان يبلغه عن الله تعالى، أو عن رسول - صلى الله عليه وسلم - فيرده.

وأيضًا ما تواتر من بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراءه وسعاته إلى البلاد المفتوحة؛ لتعليم أهلها الدين، وأحكام الشرع؛ ولأخذ الزكاة، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث إلا من تقوم به الحجة، فكانوا يقبلون من كل واحد منهم ما يعلمهم من القرآن وأحكام الدين، ولا خلاف أن


(١) الإحكام لابن حزم (١/ ١٦٩).
(٢) رواه البخاري (١٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>