للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الإشارة إلى منازل في الجنة هي لأهل النار لو كانوا أطاعوا جعلها الله تعالى إرثًا للمؤمنين، فقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال: "ما من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل مبين، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار، فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله تعالى، ثم يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون، فيقتسم أهل الجنة منازلهم"، وأنت تعلم أن القول بهذا الإرث الغريب لا يدفع الحاجة إلى المجاز.

وزعم المعتزلة أن دخول الجنة بسبب الأعمال لا بالتفضل لهذه الآية، ولا يخفى أنه لا محيص لمؤمن عن فضل الله تعالى، لأن اقتضاء الأعمال لذاتها دخول الجنة أو إدخال الله تعالى ذويها فيها مما لا يكاد يعقل، وقصارى ما يعقل أن الله تعالى تفضل فرتب عليها دخول الجنة فلولا فضله لم يكن ذلك، وأنا لا أرى أكثر جرأة من المعتزلة في هذا الباب ككثير من الأبواب؛ فإنَّ مآل كلامهم فيه أن الجنة ونعيمها الذي لا يتناهى إقطاعهم بحق مستحق على الله تعالى الذي لا ينتفع بشيء، ولا يتضرر بشيء لا تفضل له عليهم في ذلك؟ بل هو بمثابة دين أُدِّيَ إلى صاحبه، سبحانك هذا بهتان عظيم، وتكذيب لغير ما خبر صحيح! . (١)

قال الشوكاني: قوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} وأي: في جنته ودار كرامته، عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة، بل لا بد من الرحمة. (٢)

[الوجه الثالث: اعتقاد المسلمين في دخول الجنة لا تعلق له بعقيدة الفداء الباطلة عند النصارى.]

إن عقيدة الفداء الباطلة من أفسد عقائد النصارى ويظهر هذا في عدة نقاط:

١ - عقيدة الفداء راجعة إلى توريث الخطيئة التي فعلها أبو البشر آدم لذريته، وليس دخول الجنة في الإسلام كذلك كما وضحنا.

٢ - عقيدة الفداء تثبت تلوث كل الأنبياء بالخطيئة حتى مريم والمسيح، والإسلام برأ


(١) تفسير الآلوسي (٨/ ٢٢).
(٢) فتح القدير للشوكاني (١/ ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>