للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب الثاني: تميز يزيد في هذا المجال وقد كان أبوه يعلم منه ذلك فلا يضره عدم علم غيره.

قال ابن كثير: فلما مات الحسن قوى أمر يزيد عند معاوية ورأى أنه لذلك أهلًا وذاك من شدة محبة الوالد لولده ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته وكان ظن أن لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في هذا المعنى ولهذا قال لعبد الله ابن عمر فيما خاطبه به: إني خفت أن أذر الرعية من بعدى كالغنم المطيرة ليس لها راع فقال له ابن عمر إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدًا مجدع الأطراف، وروينا عن معاوية أنه قال يوما في خطبته: اللهم إن كنت تعلم أنى وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته وإن كنت وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته (١).

وهنالك كلمة لابد أن تقال بالنسبة لأهلية يزيد: وفي عبارة عن وجهة نظر أبداها الأستاذ محب الدين الخطيب حيث قال: إن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجموع سجاياهما، فهذا ما لم يبلغه في تاريخ الإسلام، ولا عمر بن عبد العزيز، وإن طمعنا بالمستحيل وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر آخر، فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر وعمر، وإن كان مقياس الأهلية، الاستقامة في السيرة، والقيام بحرمة الشريعة، والعمل بأحكامها، والعدل في الناس، والنظر في مصالحهم، والجهاد في عدوهم، وتوسيع الآفاق لدعوتهم، والرفق بأفرادهم، وجماعاتهم، فإن يزيد يوم تمُحّص أخباره، ويقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، وأجزل الثناء عليهم. (٢)

[الوجه الثامن: أن معاوية إمام مجتهد وكان يرى صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل وغاية ما في الأمر أن يكون أخطأ، أو أصاب.]

فغاية أمره أنه كغيره من الصحابة يخطئ ويصيب، ومن اجتهاده في ذلك أنه كان يرى أنه لم يبق في الساحة إلا أولاد الصحابة، وابنه أحق منهم لما يراه فيه من ميزات سبق ذكرها


(١) البداية والنهاية (٨/ ٨٠).
(٢) هامش العواصم من القواصم لابن العربي (ص ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>