ويجوز أن يكون (الْبرَّ) بمعنى: البارّ والبَر، والفاعل قد يسمى بمعنى: المصدر، كما يقال: رجل عدل، وصوم، وفطر، وفي التنزيل: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} (الملك: ٣٠) أي: غائرًا، وهذا اختيار أبي عبيدة. (١)
ووقوع المصدر موقع اسم الفاعل أو الفاعل من الأساليب الفصيحة، ومن شواهدها في القرآن قوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} (البلد: ٢)، فوقع المصدر (حِلٌّ) موقع اسم الفاعل (حالٌّ) أي: مقيم بهذا البلد.
الوجه الثالث: العرب تجعل الاسم خبرًا للفعل.
فـ (مَنْ آمَنَ) معناه: الإيمان، لمَّا وقع (مَنْ) موقع المصدر جُعِلَ خبرًا للأول؛ كأنه قال: ولكن البرَّ الإيمانُ باللَّه، والعرب تجعل الاسم خبرًا للفعل، وأنشد الفراء:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ... ولكنما الفتيان كل فتى ندِي
جعل نبات اللحية خبرًا للفتيان، والمعنى: لعمرك ما الفتوة أن تنبت اللحى. (٢)
والإخبار عن المصدر باسم الذات للمبالغة كعكسه في قول الخنساء:
ترتع ما رتعت حتى إذا أدركت ... فإنما هي إقبال وإدبار.
قال سيبويه: فجعلها الإقبال والإدبار، فجاز على سعة الكلام، كقولك: نهارك صائم وليلك قائم. (٣)
وقال ابن جني: أن يكون من هذا أي كأنها مخلوقة من الإقبال والإدبار لا على أن يكون من باب حذف المضاف أي ذات إقبال وذات إدبار، ويكفيك من هذا كلِّه قولُ اللَّه -عز وجل-: خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ وذلك لكثرة فعله إياه واعتياده له. (٤)
(١) تفسير القرطبي ٢/ ٢٤٤.
(٢) البحر المحيط لأبي حيان ٢/ ٥. وانظر: معاني القرآن ١/ ١٠٥ للفراء.
(٣) الكتاب ١/ ٣٣٧.
(٤) الخصائص ٢/ ٨، ويرجع إلى ٢/ ٤٠٥ كذلك.