للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أخبر في القرآن أن الشياطين تنزل على بعض الناس فتخبره ببعض الأمور الغائبة؛ لكن ذكر الفرق فقال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣)}، كذلك مسرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليريه الرب من آياته، فخاصة الرسول ليست مجرد قطع هذه المسافة؛ بل قطعها ليريه الرب من الآيات الغائبة ما يخبر به، فهذا لا يقدر عليه الجن وهو نفسه لم يحتج بالمسرى على نبوته بل جعله مما يؤمن به فأخبرهم به ليؤمنوا به، والمقصود إيمانهم بما أخبرهم من الغيب الذي رآه تلك الليلة، وإلا فهم كانوا يعرفون المسجد الأقصى؛ ولهذا قال: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}؛ قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به؛ وهذا كما قال في الآية: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)}، ومعلوم أن النبي إذا دعا الجن إلى الإيمان به فلا بد أن يأتي بآية خارجة عن مقدور الجن، فلا بد أن تكون آيات الأنبياء خارجة عن مقدور الإنس والجن، وما يأتي به الكاهن من خبر الجن وغايته أنه سمعه الجني لما استرق السمع مثل الذي يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون. (١)

انتشار دينه: عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض". (٢)

[استحالة كذب النبي - صلى الله عليه وسلم -, وإثبات أن أخلاقه موافقة لأخلاق الأنبياء]

عن عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ - في المُدَّةِ التي كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ


(١) النبوات ١/ ٦.
(٢) رواه مسلم (٢٨٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>