للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" يحذر ما فعلوا (١).

والشاهد من الآية: أن الله تعالى ذكر قول الذين غلبوا على أمرهم بأن يبنوا على قبورهم مسجدًّا، مع أنه مناقض للشرع الحنيف.

٢ - ذكرُ الله تعالى لقول إبليس في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)} [الأعراف: ١٢] فهذا ليس إقرارًا وتأييدًا من الله تعالى لقول إبليس.

٣ - ومنها أيضًا ذكر الله تعالى لأقوال اليهود ثم التعقيب عليها مثل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)} [البقرة: ١١١]، وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: ٦٤].

[الوجه الثاني: لماذا قال فرعون: (لتخرجنا) بضمير الجمع؟]

لقد ذكر المفسرون عدة أوجه لقول فرعون هذا الكلام منها:

الأول: أنه قصد أن يخرجهم من أرضهم قياسًا منه على الذين يقومون بدعوة ضد الملوك أنهم إنما يبغون بذلك إزالتهم عن الملك وحلولَهم محلّهم، يعني أن موسى غرّته نفسه فحسب أنه يستطيع اقتلاع فرعون من ملكه؛ أي: حسبتَ أنّ إظهار الخوارق يطوّع لك الأمة فيجعلونك ملكًا عليهم وتخرجني من أرضي، فضمير المتكلم المشارك مستعمل في التعظيم لا في المشاركة؛ لأنّ موسى لم يصدر عنه ما يشمّ منه إخراجهم من أرضهم (٢).

الثاني: ويجوز أن يكون ضمير المتكلم المشارك مستعملًا في الجماعة تغليبًا، ونزّل فرعون نفسه واحدًا منها، وأراد بالجماعة جماعة بني إسرائيل حيث قال له موسى: {فَأَرْسِلْ


(١) تفسير ابن كثير (٥/ ١٤٧).
(٢) التحرير والتنوير (١٦/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>