للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: الصوم فى الأمم السابقة كما فى القرآن والسنة.]

إن الصوم من العبادات التي لم ينفرد بها الإسلام، فقد أخبر القرآن الكريم أن الصوم كان مفروضًا أيضًا على الأمم السابقة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.

بين اللَّه -عزَّ وجلَّ- في هذه الآية أنه كما أوجبه عليهم، فقد أوجبه على من كان قبلهم، فلهم فيه أسوة، وَليَجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (المائدة: ٤٨). (١)

قال الطبري: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فُرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب، {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، وهي شهر رمضان كله. لأن مَن بعدَ إبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم- كان مأمورًا باتباع إبراهيم، وذلك أن اللَّه جل ثناؤه كان جَعله للناس إمامًا.

وقال: هذا القول هو الأولى بالصواب. (٢) والصحيح: أنَّ المراد عموم من كان قبلنا ممن ممن أرسل اللَّه إليهم رسلًا وأنزل إليهم كتبًا وشرع لهم شرائع، وذلك لعموم قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: ١٨٣) (٣)

وعن قتادة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، قال: كتب اللَّه تعالى شهر رمضان على الناس كما كتبه على الذين من قبلهم، وقد كان كُتب على الناس قبل أن ينزل شهر رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر. (٤)


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ١٧٣).
(٢) تفسير الطبري (٢/ ١٣٠)، وابن أبي حاتم (١/ ٣٠٤)، والقرطبي (٢/ ٢٧٨).
(٣) التسهيل لتأويل التنزيل للشيخ مصطفى العدوي (٣/ ٦٨).
(٤) تفسير عبد الرزاق (١٧٨)، والطبري (٢/ ١٢٩)، وابن أبي حاتم (١٦٢٤) عن الضحاك بن مزاحم، والدر النثور للسيوطي (١/ ٤٢٩)، وعزاه إلى عبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>