للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنه لا خلاف بينهم أن في القرآن أعلام أعجمية كنوح، وإسرائيل، ولوط من غير لسان العرب. والخلاف إنما هو في ألفاظ مفردة ليست من هذا ولا ذاك، فهل من لسان العرب أم من لسان غير العرب؟ . (١)

[المبحث الثاني: على فرض وجود ألفاظ أعجمية فالجواب عليه من وجوه]

[الوجه الأول: ان لسان العرب أوسع من أن يحيط به أحد.]

نعم، فلسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها؛ حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه. والعلم به عند العرب كالعلم بالسُنّة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلًا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء. (٢)

قال السيوطي: وقال آخرون: كل هذه الألفاظ عربية صرفة، ولكن لغة العرب متسعة جدًّا، ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الأجلة، وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح. وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك إنما وجدت هذه الألفاظ في لغة العرب؛ لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظًا، ويجوز أن يكونوا سبقوا إلى هذه الألفاظ. (٣) لأنَّ غيرَ العرب لم تتسع في المجاز اتساعَ العرب؛ ألا ترى أنك لو أردتَ أن تنقلَ قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}. لم تستطع أن تأتي لهذه بألفاظ مؤدِّية عن المعنى الذي أودِعَتْه حتى تبسط مجموعها، وتصلَ مقطوعها، وتُظهرَ مَسْتُورها؛ فتقول: إن كان بينك وبين قوم هُدْنة وعَهْد، فخِفْت منهم خيانةً ونقضًا، فأعْلمهم أنك قد نقضتَ ما شرطته لهم، وآذنْهم بالحرب؛ لتكونَ أنتَ وهم في العلم بالنَّقْض على الاستواء. وكذلك قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ}. (٤)


(١) تفسير القرطبي (١/ ٦٨) بتصرف.
(٢) الرسالة (١/ ٤٢).
(٣) الإتقان في علوم القرآن (١/ ٣٩٣)، والمهذب فيما وقع في القرآن من المعرب (١/ ١).
(٤) المزهر (١/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>