وقد تعلق المنكرون لحجية خبر الواحد بعدد من الأدلة، التي زعموا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه في ردِّهم لخبر الواحد، وعدم قبوله.
١ - من ذلك قصة ذي اليدين الثابتة في الصحيح، حين توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبول خبر
ذي اليدين لما سلَّم على رأس الركعتين في صلاة العشاء فقال له ذو اليدين:(أقصرت فيلصلاة أم نسيت؟ )، قالوا: فلم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر، وعمر، ومن كان في الصف بصدقه، فأتمَّ عليه الصلاة والسلام صلاته، وسجد للسهو، ولو كان خبر الواحد حجة؛ لأتمَّ - صلى الله عليه وسلم - صلاته من غير توقف، ولا سؤال.
٢ - ثم قالوا: وقد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد، فقد ثبت أن أبا بكر ردَّ خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدَّة، حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة، وثبت أن عمر ردَّ خبر أبي موسى في الاستئذان، حتى انضم إليه أبو سعيد، وكان علي لا يقبل خبر أحد حتى يحُلِّفه سوى أبي بكر، وردَّت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله، إلى غير ذلك من الروايات.
[الرد على هذه الشبهات]
وكلُّ ما ذكروه من شبه في الحقيقة ليس فيها دليل على ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بخبر الواحد، والإجابة عنها في غاية الوضوح لمن كان يعقل.
أولًا: فأما توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في خبر ذي اليدين، فلأنه توهم غلطه حيث استبعد أن ينفرد بمعرفة هذا الأمر دون من حضره من الجمع الكثير، ولذا قال له - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنس، ولم تقصر الصلاة؟ "، وكان هذا اعتقاده - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُكَلَّف الإنسان بقبول خبرٍ مع اعتقاده خطأه، فلما وافقه غيره؛ ارتفع احتمال الوهم عنه، فَقَبِلَه - صلى الله عليه وسلم -، وعمل بموجب الخبر عندما تبين له عدم الوهم، وبعبارة أخرى: كان يقين ذي اليدين معارضًا ليقين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمكن تقديم أحدهما إلا بمرجح خارجي، وهو شهادة الصحابة الباقين.