روى الطبري بسنده عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: يؤخذ بيد العبد والأَمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه! فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، ثم قرأ ابن مسعود:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}(المؤمنون: ١٠١) فيغفر اللَّه تبارك وتعالى من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا، فينصب للناس فيقول: ائتوا إلى الناس حقوقهم! فيقول: رب، فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كلَّ ذي حق حقه بقدر مظلمته، فإن كان وليًا للَّه ففضل له مثقال ذرة ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة، ثم قرأ علينا:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وإن كان عبدًا شقيًا قال الملك: رب، فنيت حسناته وبقي طالبون كثير! فيقول: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صكوا له صكًا إلى النار. وفي لفظ: من كان له مظلمة فليجيء فليأخذ حقه، فيفرح واللَّه المرء أن يكون له الحق على والده، أو ولده، أو زوجته، وإن كان صغيرًا؛ ومصداق ذلك في كتاب اللَّه {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)} (١).
[الوجه الخامس: الإنسان في حياته الدنيوية (القصيرة) تمر عليه فترات لا يتكلم فيها ولا يتساءل، وفترات يتكلم ويتساءل، وفترات يكتم، وفترات لا يكتم، فما بالنا بأيام الآخرة (الطويلة).]
يوم القيامة يوم عظيم، يوم طويل، مقداره خمسين ألف سنة قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)} (المعارج: ٤)، وإن الإنسان في حياته الدنيوية ليتعرض لفترات من حياته لا يتكلم فيها مع أنه كما يقول الفلاسفة: إن
(١) أخرجه الطبري في تفسيره ٤/ ٩١، قوله: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: ٤٠)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر، انظر فتح القدير ٣/ ٧١٨؛ قوله: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (المؤمنون: ١١٨)، والدر المنثور ٧/ ٢٤٤ (المؤمنون: ١٠١).