للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: العُجْب بالنفس والمدح لها، ونقول:

١ - أن مدح النفس غير ممنوع منه مطلقًا لقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١]، وأيضًا فيحتمل أن يكون قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} وليس المراد مدح النفس؛ بل المراد بيان أن هذا السؤال ما أوردناه لنقدح به في حكمتك يا رب، فإنا نسبح بحمدك ونعترف لك بالإلهية والحكمة، فكأن الغرض من ذلك بيان أنهم ما أوردوا السؤال للطعن في الحكمة والإلهية؛ بل لطلب وجه الحكمة على سبيل التفصيل (١).

وأيضًا فيه إعلان بالتنزيه للخالق عن أن يخفي عليه ما بدا لهم من مانع استخلاف آدم، وبراءةٌ من شائبة الاعتراض، والله تعالى وإن كان يعلم براءَتهم من ذلك إلا أن كلامهم جرى على طريقة التعبير عما في الضمير من غير قصد إعلام الغير (٢).

٢ - أو يكون الغرض من قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} تفويض الأمر إلى الله تعالى واتهامَ عِلمهم فيما أشاروا به كما يفعل المستشار مع من يعلم أنه أسَدُّ منه رأيًا وأرجح عقلًا فيشير ثم يفوض، كما قال أهل مشورة بِلْقِيس إذ قالت: {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي: الرأي أن نحاربه ونصده عما يريد من قوله: {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}، {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: ٣١ - ٣٣]، وكما يفعل التلميذ مع الأستاذ في بحث معه ثم يصرح بأنه مَبْلغ علمه، وأن القول الفصل للأستاذ. (٣)

ثالثًا: أنكروا على الله تعالى هذا الأمر، ونقول:

١ - نحن نجزم يقينًا بأن سؤال الملائكة هذا لم يكن اعتراضًا على أمر الله تعالى ولا إنكارًا له، كيف وهم المعصومون من ذلك؟ : {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦]، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول؛ أي: لا يسألونه شيئًا لم يأذن


(١) تفسير الرازي (٢/ ١٥٦).
(٢) التحرير والتنوير (١/ ٣٩٠).
(٣) التحرير والتنوير (١/ ٣٩٠) بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>