في شأن آخر بل هم ضدهم في علومهم وإعمالهم وهديهم وإرادتهم وطرائقهم ومعادهم وفي شأنهم كله، ولهذا نجد أتباع هؤلاء ضد أتباع الرسل في العلوم والأعمال والهدى والإرادات ومتى بعث الله رسولًا يعاني التنجيم والنرجات والطلسمات والأوفاق والتداخين والبخورات ومعرفة القرانات والحكم على الكواكب بالسعود والنحوس والحرارة والبرودة والذكورة والأنوثة وهل هذه إلا صنائع المشركين وعلومهم وهل بعثت الرسل إلا بالإنكار على هؤلاء ومحقهم ومحق علومهم وأعماهم من الأرض وهل للرسل أعداء بالذات إلا هؤلاء ومن سلك سبيلهم.
الشبهة الخامسة: أنه قال سبحانه وتعالى: {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)} [غافر: ٥٧].
فقالوا: ولا يكون المراد من هذا كبر الحجم لأن كل أحد يعلم ذلك فوجب أن يكون المراد كبر القدر والشرف، وقال سبحانه وتعالى:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا}[آل عمران: ١٩١]، ولا يجوز أن يكون المراد أنه تعالى خلقها ليستدل بتركيبها وتأليفها على وجود الصانع لأن هذا القدر حاصل في تركيب البقة والبعوضة وفي حصول الحياة في بنية الحيوانات على وجود الصانع أقوى من دلالة تركيب الأجرام الفلكية على وجود الصانع لأن الحياة لا يقدر عليها أحد ألا الله أما تركيب الأجسام وتأليفها فقد يقدر على جنسه غير الله فلما كان هذا النوع من الحكمة حاصلًا في غير الأفلاك ثم أنه تعالى خصها بهذا التشريف وهو قوله:(ربنا ما خلقت هذا باطلًا) علمنا أن له تعالى في تخليقها أسرارا عالية وحكما بالغة تتقاصر عقول البشر عن إدراكها ويقرب من هذه الآية قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} [ص: ٢٧]، ولا يمكن أن يكون المراد أنه -تعالى- خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم لأن كونها دالة على الافتقار إلى الصانع أمر ثابت لها لذاتها لأن كل متحيز فهو محدث وكل محدث فإنه مفتقر إلى الفاعل فثبت أن دلالة المتحيزات على