والملائكة والشهداء والعلماء والمؤمنون في من دخل النار من المسلمين فأخرجوا منها على حسب ما أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على طبقات شتى فدخلوا الجنة، فلما فقدهم أهل الكفر ودُّوا حينئذ لو كانوا مسلمين، وأيقنوا أنه ليس شافع يشفع لهم ولا صديق حميم يغني عنهم من عذابهم شيئًا، قال الله - عز وجل - في أهل الكفر لما نضجوا بالعذاب وعلموا أن الشفاعة لغيرهم قالوا:{فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}[الأعراف: ٥٣]، وقال - عز وجل -: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: ٩٤: ١٠١]، وقال - عز وجل - في سورة المدثر وقد أخبر الملائكة قال لأهل الكفر: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٢ - ٤٨]. هذه كلها أخلاق فقال - عز وجل -: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} فدل على أنه لا بد من شفاعة، وأن الشفاعة لغيرهم لأهل التوحيد خاصة. وقال - عز وجل -: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: ١ - ٢]، وإنما الكفار لو كانوا مسلمين عندما رأوا معهم في النار قوما من الموحدين فعيروهم.
وقالوا: ما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنى في النار من أهل التوحيد ففقدهم أهل الكفر، فسألوا عنهم؛ فقيل: شفع فيهم الشافعون؛ لأنهم كانوا مسلمين، فعندها ودوا لو كانوا مسلمين؛ حتى تلحقهم الشفاعة (١).
الوجه الرابع: الرد على منكر الشفاعة بإزالة التعارض بين الآيات التي ظاهرها التعارض، وإمكانية الجمع بينهما.