للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن إسحاق: وكانت خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وكان ابن عمها، وكان نصرانيًا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس - ما ذكر لها غلامُها ميسرة من قول الراهب، وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه، فقال ورقة: لئن كان هذا حقًا يا خديجة إن محمدًا لنبي هذه الأمة. قال ورقة لخديجة: قد عرفت أنه كائن بهذه الأمة نبي يُنتظر هذا زمانه - أو كما قال - فجعل ورقة يستبطئ الأمر.

وله في ذلك أشعار منها ما رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق:

أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح

لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح

وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح

بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح

وظني به أن سوف يبعث صادقًا ... كما أرسل العبدان نوح وصالح (١)

قلت: فقوله: (فجعل ورقة يستبطئ الأمر) دليل على عدم علمه بأمر تقدير الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة قبل إخبار خديجة له.

[الوجه الرابع: إسلام ورقة دليل على استعداده للاستسلام لأوامر الرسول، فكيف للمعلم أن يخضع لأوامر تلميذه؟ !]

قال المناوي: ذهب جمع من أهل العلم أن ورقة أسلم عند ابتداء الوحي (٢).

فلعلم ورقة أن محمدًا نبي كان عليه أن يستسلم لأوامره، فمن قال: إن ورقة هو المعلم الأول لمحمد كان من المفترض أن لا يرضى إلا أن يكون على الأقل استشاريِّ النبي لا مجرد تابع، فأنتم تقولون: إنه هو الذي ألَّف لمحمد القرآن وهو الذي علمه، فلازم قولكم أن ورقة ينبغي أن لا يرضى أن يكون مثله مثل باقي الأتباع لمحمد، بل كان عليه أن يشترط على محمد شروطًا مثل الشروط الجزائية التي تُعقد بين شركة وبين مندوب مبيعات هذه


(١) عيون الأثر (١/ ٧٤)؛ ذكر سفره - عليه السلام - إلى الشام مرة ثانية وتزويجه خديجة، خزانة الأدب ١/ ٤٣٧).
(٢) فيض القدير ٦/ ٤٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>