للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠ - أن وقوع الذَّنْبَ الذي يجعله أن لا يرى لنفسه على أحد فضلًا، ويشتغل بعيب نفسه يوجب له المسامحة للخلق عن تقصرهم في حقه لعلمه أنه لم يقوم بحق الله عليه. (١)

معنى العبادة، وبمَ تتحقق العبودية:

العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فجميع ما يحبه الله داخلًا في اسم العبادة، وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له التي خلق الخلق لها وبها أرسل جميع الرسل، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}، والعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة لله، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا لله.

فالإله الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك، فإذا عرف العبد أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه ومحتاج إليه عرف عبوديته المتعلقة بربوبية الله، وهذا العبد يسأل ربه ويتضرع إليه ويتوكل عليه. (٢)

فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه أو أن الخروج عنها أكمل فهو من أجهل الخلق وأضلهم (٣).

وكلما قوى طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته، ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مما سواه، وكل من علق قلبه بالمخلوقين أن ينصروه أو يرزقوه أو يهدوه خضع قلبه لهم وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وعبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، من استعبد قلبه فصار عبدًا لغير الله فهذا يضره ذلك كل الضرر.

ومن أعظم هذا البلاء إعراض القلب عن الله فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله


(١) طريق الهجرتين ٢٦٦ - ٢٧٠ بتصرف واختصار.
(٢) مجموعة التوحيد لابن تيمية (٣٩٨: ٣٩٤).
(٣) مجموعة التوحيد لابن تيمية (٤١٥: ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>