ولذا فمن الآداب العربية القديمة قولهم: السر أمانة، وقد وافق ذلك التشريع الإسلامي وحث عليه.
- و {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ}: هذا تنبيه إلى عناية الله برسوله - صلى الله عليه وسلم - وانتصاره له، لأن إطلاعه على ما لا علم له به مما يهمه عناية ونصحًا له.
- {عَرَّفَ}: عرّفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ليوقفها على مخالفتها واجب الأدب من حفظ سرّ زوجها.
- {وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ}: إعراض الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تعريف زوجه ببعض الحديث الذي أفشته من كرم خلقه - صلى الله عليه وسلم - في معاتبة المفشية وتأديبها، وهذا من كمال خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أعرض عن بعض تَكَرُّمًا، قاله السدي، وقال الحسن: ما استقصى كريمٌ قط، قال تعالى:{عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} وقال سفيان: ما زَال التغافل من فعل الكرام.
- والاستفهام في قوله:{مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} وللتحقق من الذي أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرها فلا قبل للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعلم ذلك إلا من قبل عائشة أو من طريق الوحي. وفي هذا كفاية من تيقظها بأن إفشاءها سرّ زوجها زَلة خُلقية عظيمة حجبها عن مراعاتها شدة الصفاء لعائشة وفرط إعجابها بتحريم مارية لأجلها، فلم تتمالك عن أن تبشر به خليلتها ونصيرتها ولو تذكرت لتبين لها أن مقتضى كتم سرّ زوجها أقوى من مقتضى إعلامها خليلتها؛ فإن أواصر الزوجية أقوى من أواصر الخلة وواجب الإِخلاص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلى من فضيلة الإِخلاص للخلائل، ولذا كان إنهاء الآية بوصفي:{الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} ولما فيهما من التذكير بما يجب أن يعلمه الناس من إحاطة الله تعالى علمًا وخُبْرًا بكل شيء.
الوجه الثالث: سبب نزول الآياتِ. (١)
لم يسكت الله ورسوله على هذا الخطأ من حفصة وعائشة: قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤)} [التحريم: ٤].