للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث عن حلمه عليه الصلاة والسلام، وصبره، وعفوه عند القدرة؛ أكثر من أن تأتي عليه وحسبك ما ذكرناه مما في الصحيح وغيره إلى ما بلغ متواترا مبلغ اليقين: من صبره على مقاساة قريش وأذى الجاهلية ومصابرته الشدائد الصعبة معهم إلى أن أظهره الله عليهم وحكمه فيهم وهم لا يشكون في استئصال شأفتهم وإبادة خضرائهم فما زاد على أن عفا وصفح، صلوات ربي وسلامه عليه. (١)

[جوده وكرمه وسخائه وسماحته -صلى الله عليه وسلم-]

كان -صلى الله عليه وسلم- لا يوازَى في هذه الأخلاق الكريمة ولا يبارى بهذا وصفه كل من عرفه. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَال: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَال لَا. (٢)

وعَنْ أَنسِ بنِ مَالِكٍ قَال: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تراعُوا لَنْ تراعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَال: لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ. (٣)

قال النووي: في هذا كله بيان عظيم سخائه وغزارة جوده -صلى الله عليه وسلم-. (٤)

حتى قبل أن يبعث -صلى الله عليه وسلم- فقد قال له ورقة بن نوفل: إِنَّك تَحْمِلُ الْكَلَّ، تكسِبُ المعْدُومَ. (٥)

وفي غزوة حنين يقول ابن القيم: وكان السَّبيُ ستةَ آلاف رأس، والإبلُ أربعةً وعشرين ألفًا، والغنم أكثرَ من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أُوقية فضة، فاستأنى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقدَموا عليه مسلمين بِضْعَ عشرة ليلة ثم بدأ بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلَّفةَ قلوبُهم أوَّلَ الناسِ، فأعطى أبا سفيان بنَ حرب أربعين أُوقية، ومائةً من الإبل، فقال: ابني يزيد؟ فقال:


(١) انظر الشفا ١/ ١٢٣ بتصرف.
(٢) البخاري (٦٠٣٤).
(٣) البخاري (٦٠٣٣)، مسلم (٢٣٠٧).
(٤) شرح النووي على مسلم ٨/ ٨١.
(٥) البخاري (٣)، مسلم (١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>