للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: بينما ذهب الأكثرون إلى منع ذلك كله. وقالوا: قوله "كتب" أي: أمر بالكتابة (١).

الوجه السادس: لا يعد اختلاف الباجي مع الفقهاء اختلاف سائغ، بل من العلماء من جعله قول شاذ. وأن العلماء المتقدمين متفقون على القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتب في صلح الحديبية.

أولًا: القاضي أبي الوليد الباجي هو من متأخري الفقهاء، لا من متقدميهم.

ثانيًا: إنكار كثير من الفقهاء على الباجي وعلى من قال بقوله، واعتبار أن قولهم قول شاذ لا يقبل.

قال ابن كثير: ولهذا اشتد النكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالًا وخطبوا به في محافلهم (٢).

ثالثًا: وللرد على من قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب بيده في صلح الحديبية؛ وذكروا أنه كتب من غير تعلم لكتابة، ولا تعاط لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده كمعجزة.

فيقال له: كانت تكون آية لا تنكر لولا أنها مناقضة لآية أخرى؛ وهي كونه أمِّيا لا يكتب؛ وبكونه أمِّيا في أمِّة أمِّية قامت الحجة، وأفحم الجاحدون، وانحسمت الشبهة؛ فكيف يطلق الله تعالى يده فيكتب، وتكون آية، وإنما الآية ألا يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا، وإنما معنى كتب وأخذ القلم؛ أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه - صلى الله عليه وسلم - ستة وعشرون كاتبًا.

الوجه السابع: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان كاتبًا مجُيدًا لذلك؛ فلماذا دعا عليًّا ليكتب له، ثم لما أراد أن يحذف عبارة طلب من علي ذلك ويأبى عليه علي؛ لأنه سيمحوا كلمة (رسول الله) فمن تعظيمه له أبى؛ ورسول الله يقول له (أرني) كأنه لم يعلم موضعها من الكتاب، فطلب منه أن يريه الكلمة ليمحوها بنفسه، وأبعد كل هذا ما زال المعترضون يعترضون والأمر بيِّن جلي.


(١) شرح النووي لصحيح مسلم (٦/ ٣٨١).
(٢) تفسير القرآن العظيم ٦/ ٢٨٥، سير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>