للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها بعض ما يريد (١).

قلت: قوله: (إلى أن قارب منها بعض ما يريد) فسره بعض المفسرين أن الشيطان قابلها ودلها على شفاء زوجها، فلما رجعت وأخبرت زوجها غضب عليها وحلف عليها أن يضربها مائة ضربة، فخلصهما الله - عز وجل - بهذه الرخصة (٢).

[الوجه الخامس: بيان معنى الغضب ودرجاته، وما يذم منه وما لا يذم.]

معنى الغضب: الغَضَبُ: نَقِيضُ الرِّضَا وقد غَضِبَ عليه غَضَبًا ومَغْضَبَةً وأَغْضبْتُه أَنا فَتَغَضَّبَ، وغَضِبَ له غَضِبَ على غيره من أَجله، وذلك إِذا كان حَيًّا فإِن كان ميتًا قلت: غَضِبَ به قال دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة يَرْثِي أَخاه عَبْدَ الله:

فإِن تُعْقِب الأَيامُ والدَّهْرُ فاعْلَمُوا ... بني قَارِبٍ أَنَّا غِضَابٌ بمَعْبَدِ

قال ابن عرفة: الغَضَبُ من المخلوقين شيءٌ يُداخِل قُلُوبَهم ومنه محمود ومذموم؛ فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان في جانب الدين والحق (٣).

درجات الغضب: يتفاوت الناس في قوة الغضب على درجات ثلاث وهي: التفريط والإفراط والاعتدال:

أولًا: التفريط: ويكون إما بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها، وحينئذ يقال للإنسان: إنه لا حمية له، ويذم جدًّا، ولذلك قال الشافعي - رحمه الله - من استغضب فلم يغضب فهو حمار، وهذا يثمر ثمرات مرة كقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس.

ثانيًا: الإفراط: ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطر، وسبب غلبته أمور غريزية وأمور اعتيادية: فرب إنسان هو بالفطرة مستعد لسرعة الغضب حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان، ويعين على ذلك حرارة مزاج


(١) تفسير البقاعي (٦/ ٣٩٠).
(٢) تفسير الطبري (٢٣/ ١٦٨).
(٣) لسان العرب (٥/ ٣٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>