للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: هل في القرآن ألفاظ أعجمية؟ والجواب: في ذلك خلاف، والراجح عدم وجود ألفاظ أعجمية. وإليك تفصيل الكلام.]

القول الأول: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَفْظٌ غَيْرُ عَلَمٍ إلَا عَرَبِيٌّ.

اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ: الإمام الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدة، وَابْنُ جَرِير، وَالْبَاقِلَانِيّ، وَابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ؛ لِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ. (١)


(١) قال الإمام الشافعي في الرسالة ٤٦ - ٥٠: الحجة في أن كتاب الله محضٌ بلسان العرب لا يخلطه فيه غيره، قال الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، فإن قال قائل: فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، وإن محمدًا بعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه، ويحتمل أن يكون بعث بألسنتهم. فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم؟ فإن كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون بعضهم تبعًا لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع، وأولى الناس بالفضل باللسان من لسانه لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعًا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كلُّ لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه. وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه قال الله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: ٣٧]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: ٧] وقال: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: ١ - ٣]، وقال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: ٢٨]. قال الشافعي: فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣] وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: ٤٤]، قال الشافعي: وعرّفنا نعمه بها خصنا به من مكانه، فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: ٢]، وكان مما عرَّف الله نبيه من إنعامه أن قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: ٤٤]، فخص قومه بالذكر معه بكتابه، وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]، وقال تعالى: {تُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>