للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلك الغربة قد زالت بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود رسوله -صلى الله عليه وسلم- في نشر الدعوة الإسلامية في مراحلها الخمسة وتحمله المشاق في سبيل إنجاحها، وهذه المراحل هي:

النبوة، إنذار عشيرته الأقربين، وإنذار قومه، وإنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبةً، وإنذار جميع من بلغته الدعوة من الجن والإنس إلى آخر الدهر. (١)

قال الأوزاعي قولًا يبين أن معنى الغربة ليست أن الإسلام سيذهب ويزول؛ قال: أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة؛ حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد، ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيرًا مدح السنة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلة، فكان الحسن -رحمه الله- يقول لأصحابه: يا أهل السنة، ترفقوا -رحمكم الله- فإنكم من أقل الناس، وقال يونس بن عبيد: ليس شيء أغرب من السنة وأغرب منها من يعرفها.

وعن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة فإنهم غرباء، ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة: طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات، ولهذا جاء في الحديث مدح المتمسك بدينه في آخر الزمان وأنه كالقابض على الجمر، فعَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الجمْرِ" (٢) (٣).

[الوجه الثالث: أقسام الغربة، وبيان أن كل قسم يعقبه نصر وتمكين.]

[الغربة الأولى]

قال الشاطبي: وجملة العنى فيه من جهة وصف الغربة ما ظهر بالعيان والمشاهدة في أول الإسلام وآخره؛ وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل، وفي جاهلية جهلاء، لا تعرف من الحق رسمًا، ولا تقيم به في مقاطع الحقوق حكمًا، بل كانت تنتحل ما وجدت عليه آباءها، وما استحسنه أسلافها من الآراء المنحرفة والنحل المخترعة


(١) موسوعة الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٤/ ٢٤).
(٢) الترمذي (٢٢٦٠)، مسند أحمد (٢/ ٣٩٠)، وصححه الألباني في الصحيحة (٩٥٧).
(٣) كشف الكربة في وصف أهل الغربة (١/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>