للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: وَالله لَأُحَدِّثَنَكمْ حَدِيثًا وَالله لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ الله مَا حَدَّثْتكمُوهُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا". (١)

الوجه الرابع: أنَّ تَرْكَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لتجديد الوضوء في بعض الأحيان يدل على جواز الأمرين تيسيرا على الأمة.

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يترك المداومة على بعض الأعمال خشية أن تفرض على الأمة فيشق ذلك عليهم، ومن أمثلة ذلك:

أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي المُسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فتحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّوْا بِصلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ: عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فَلَمّا قَضى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فتشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا" فَتُوُفيَ رَسُولُ الله، وَالأَمرُ عَلَى ذَلِكَ. (٢)

وكذلك ورد عنها أنَّها قالت: إِنْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا. (٣)

وقد فسر العلماء قولها (مَا سَبَّحَ) أي ما داوم عليها. (٤)

عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ وَجَاءَ رَجُل آخَرُ فَقَامَ أَيْضًا، حَتَّى كُنَّا رَهْطًا فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلَّى صَلَاةً لَا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا، قَالَ: قُلْنَا لَهُ حِينَ أَصْبَحْنَا أَفَطَنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ،


(١) مسلم (٢٢٧).
(٢) البخاري (٢٠١٢).
(٣) البخاري (١١٢٨).
(٤) انظر فتح الباري ٣/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>