للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشكال، خصوصًا فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد. (١)

[الخامس عشر: خفاء المعنى]

أي: إن الإشكال يقع في الآية؛ لغموض المعنى، وخفائه على المفسر. ومن نظائره قوله تعالى: {أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠].

قال القرطبي: هذه آية مشكلة، ولا سيما وفيها: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: قيل: المعنى ونقلب أفئدتهم وأنظارهم يوم القيامة على لهب وحرّ الجمر، كما لم يؤمنوا به في الدنيا، {وَنَذَرُهُمْ} في الدنيا، أي نمهلهم ولا نعاقبهم، فبعض الآية في الآخرة، وبعضها في الدنيا، ونظيرها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢)} [الغاشية: ٢]، فهذا في الآخرة، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: ٣] في الدنيا.

وقيل: ونقلب في الدنيا، أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية، كما حِلْنَا بينهم وبين الإيمان أول مرة، لمَّا دَعَوْتَهُم وأَظْهَرْتَ المعجزة، وفي التنزيل {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: ٢٤]، والمعنى: كان ينبغي أن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية، فرأوها بأبصارهم وعرفوها بقلوبهم، فإذا لم يؤمنوا كان ذلك بتقليب الله قلوبهم وأبصارهم {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، ودخلت الكاف على محذوف، أي: فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة، أي: أول مرة أتتهم الآيات التي عجزوا عن معارضتها مثل القرآن وغيره. وقيل: ونقلب أفئدة هؤلاء كيلا يؤمنوا؛ كما لم تؤمن كفار الأمم السالفة لما رأوا ما اقترحوا من الآيات. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، أي أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا أول مرة {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)} يتحيرون. (٢)

* * *


(١) مشكل القرآن (١٢٨).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>