للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحكم الواقع لا يتصور العقل خلافه ولا يأبى الإقرار به إلا كصاحب عقل مفقود أو مريض كشأن المعتوهين.

[دلالة إجماع الأمم على وجود الله سبحانه وتعالى]

من المعلوم أنه لا يوجد أحدٌ من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان والمسيح ابن مريم شاركوا الله في خلق السموات والأرض بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهًا مساويًا لله في جميع صفاته.

بل عامة المشركين بالله: مقرون بأنه ليس شريكه مثله بل عامتهم يقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكًا أو نبيًّا أو كوكبًا أو صنمًا.

كما كان مشركو العرب يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.

فأهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد وقال: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

وقد أخبر سبحانه عن المشركين من إقرارهم بأن الله خالق المخلوقات فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)} (الزمر: ٣٨).

فقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في هذا الأصل، ولكن غاية ما يقال: إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقًا لغير الله كالقدرية وغيرهم، لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا إنهم خلقوا أفعالهم وكذلك أهل الفلسفة والطبع والنجوم الذين يجعلون أن بعض المخلوقات مبدعة لبعض الأمور هم مع الإقرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلات مصنوعة مخلوقة لا يقولون إنها غنية عن الخالق مشاركة له في الخلق (١).


(١) فتاوى ابن تيمية (٣/ ٩٧ - ٩٩)، (٤/ ١٤ - ١٥)، (٥/ ٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>