للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقبولًا مرضيًا عند الله تعالى، ولا يؤاخذه تعالى بما لا يستطيع، ومن لم يكن كذلك غضب الله عليه، وكان محرومًا من رضوانه الأكبر، ولا ينفعه في الآخرة شفاعة شافع ولا يُقبل منه فداء لو ملك الفداء، ولا يستطيع أحد من أهل السماوات والأرض أن يشفع لأحد لم يرض الله تعالى بالإيمان والإخلاص وتزكية النفس التي يقلب بها الحق والخير على ضدها (١).

قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} وقد علم مما ذكرناه من تزكية النفس، وتدسيتها بعمل الإنسان وكسبه الاختياري أن الجزاء في الآخرة أثر لازم للتزكية والتدسية مرتب عليهما ترتيب المسبب على السبب، والمعلول على العلة بفضل الله وحكمته ومقتضى سننه في خلقه، والله يضاعف لمن يشاء ويزيدهم من فضله.

أليست هذه التعاليم الإسلامية هي التي ترفع قدر الإنسان وتُعلي همته وتحفزه إلى طلب الكمال بإيمانه وإخلاصه وأعماله الصالحة، أليست أفضل وأنفع من الاتكال على تلك القصة الصليبية المأثور مثلها عن خرافات الوثنيين التي لا يصدقها عقل مستقل (٢).

[الوجه الرابع: كفارة الذنب عند المسلمين.]

وفيه مسائل:

[الأولى: بيان أن الله قد تاب على آدم]

خلق الله آدم وقد علم سبحانه أنه خلقه ليجعله خليفة في الأرض ويستخلف أولاده، واقتضت حكمته سبحانه أن يبتلي الأبوين لتمام سعادتهم، فإن كمال العبودية والمحبة والطاعة إنما يظهر عند المعارضة والدواعي إلى الشهوات والإرادات المخالفة للعبودية (٣).


(١) تفسير المنار ٦/ ٢٩: ٣٠.
(٢) تفسير المنار ٦/ ٣١.
(٣) مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (١/ ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>