للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسندًا مرفوعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق صحيح ولا حسن خالية من علة أو جرح، وإنما صح موقوفًا عن بعض الصحابة الكرام وبمثل هذه الموقوفات - وإن تعددت - لا يمكن إثبات قرآنية هذا الدعاء.

الوجه الثاني: أنَّه مِمَّا يدد على ضعف هذا الخبر عن أُبَيٍّ، ما عُلِم من أن عثمان تشدد في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه وتحريقها، والعادة توجب أن مصحف أُبَيٍّ كان من أول ما يُقبض، وأن تكون سرعة عثمان إلى مطالبته به أشدَّ من سرعته إلى مطالبة غيره بِمصحفه؛ لأنه كان مِمَّن شارك في ذلك الجمع. وقد صحت الرواية بِما يدل على أن عثمان قد قبض مصحف أُبَيٍّ، فعن محمد بن أُبَيٍّ أن ناسًا من أهل العراق قدموا إليه، فقالوا: إنَّما تحمَّلْنا إليك من العراق، فأخْرِجْ لنا مصحفَ أُبَيٍّ. قال محمدٌ: قد قبضَه عثمان. قالوا: سبحان الله! أخْرِجْه لنا. قال: قد قبضَه عثمان (١).

الوجه الثالث: عدم تواترها، فكل رواية أحادية لا تقبل في إثبات شيء من القرآن. (٢)

الوجه الرابع: أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا أحرص الناس على الاحتياط للقرآن، وكانوا أيقظ الخلق في حراسة القرآن، ولهذا لم يعتبروا من القرآن إلا ما ثبت بالتواتر، وردوا كل ما لم يثبت تواتره؛ لأنه غير قطعي، ويأبى عليهم دينهم وعقولهم أن يقولوا بقرآنية ما ليس بقطعي؛ بل شرط أن يتواتر عند مجموع الأمة، كما هو حال ما بين دفتي المصحف الكريم، كما نص على ذلك العلماء، والتواتر كما عرفوه هو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، وهذا مما لم يتوفر في نقل هذا الدعاء المأثور.

وقال السيوطي: ولا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترًا في أصله، وأجزائه، وأما محل وضعه وترتيبه فكذلك عند محققي أهل السنة، للقطع بأن العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله؛ لأن هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم مما تتوفر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، في نقل آحادًا ولم يتواتر يقطع بأنه


(١) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف (٣٢ - ٣٣)، انظر: جمع القرآن. شرعي أبو زيد (١٨١).
(٢) المدخل إلى دراسة القرآن الكريم (٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>